ذات رمضان !
كلما جاء رمضان .. يستيقظ في القلب شيء ما .. أظنه الحنين إليهم
إنهم ..
...أُولئك الذين كانوا هنا
يملئون هذه الرقعة من الأرض
يتجولون بهذه البقعة من القلب
يسطرون في الذاكرة أحداثهم
ينحتون في أعماقنا ما لا يُمحى
ولا يتلاشى ولا يُنسى
إنهم ..
أُولئك الذين لم يعودوا هنا
غابوا ذات فراق
رحلوا إلى أبعد مدن الغياب
تساقطوا في أقصى أعماق الجرح
فأصبح الغياب باتِّساعهم
وأصبح الجرح باتِّساع الغياب
إنهم ..
أولئك الذين كانوا ومازالوا
يضيئون كالشمعة في ظلمة الحزن
يشرقون كالشمس في سماء الذاكرة
لا يفارق الحنين طريقهم
ولا يعرف النسيان لهم طريقاً
إنهم ..
أولئك الباقون بنا
الذين تزيدهم الأيام بنا صلابة وقوة
ويزدادون كلما مر العمر وضوحاً
فلا يضعفون ولا يشيبون ولا يتهالكون
إنهم ..
أولئك الذين يستقرون كالنار تحت رمادنا
وكلما هبّت رياح الحنين أيقظتهم
وكلّما أيقظتهم أشعلتنا شوقاً إليهم
وكلما أشعلتنا أحرقتنا بواقع غيابهم
إنهم ..
أولئك الذين نشتاق عهدهم في مملكة عمرنا
ونفتح تاريخ العمر على صفحتهم
ونعيد سرد أحداثهم بتاريخنا
ونكرر قراءة تضاريسهم على جغرافية أيامنا
إنهم ..
أولئك الذين يمتطون صهوة الأيام في اتجاه الغياب
ونتمنى أن يتوقف جوادهم في محطتنا لحظة
أو يعود الزمان إلى الوراء كي نراهم كالحلم
أو نلمحهم
أو نصافحهم
أو نصر أيادينا على كل لحظة عمر معهم
كي لا تتسرب لحظاتهم كما تسربوا
ونعلم أنهم لن يعودوا
ونعلم أننا لن نراهم
وقبل أن يرعبنا المساء :
عندما يأتي رمضان
يُخيِّل إليّ أنني ألمح طيفهم في المكان
وأنني أسمع صوت خطاهم بين الغرف
وأنّ صوت ضحكاتهم ينطلق من بين الجدران
وأنّ كل الأمكنة تنادي عليهم
وأنّ كل الأزمنة تنادي بهم
وكأنهم ما غابوا يوماً
وأخيرا !
لنتذكر هؤلاء في رمضان
إنسان كان هنا .. ولم يعد
إنسان يمزقه المرض ويحتاج إلى الدُّعاء
إنسان يمنعه التعفُّف من سؤال الناس
إنسان له علينا حقّ وصل الرحم التي أمرنا الله بها أن تُصَل
إنسان قدَّم لنا ذات يوم ما كنا في حاجة إليه
إنسان قدم الكثير وتنازل عن الكثير
ليعبر بنا ومعنا إلى بر الأمان
إنسان يقف الشيطان حائلاً بيننا وبينه فنلتقي ويعرض كلانا عن الآخر ..